{فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا (160) وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (161)}واعلم أنه تعالى لما شرح فضائح أعمال اليهود وقبائح الكافرين وأفعالهم ذكر عقيبه تشديده تعالى عليهم في الدنيا وفي الآخرة، أما تشديده عليهم في الدنيا فهو أنه تعالى حرّم عليهم طيبات كانت محللة لهم قبل ذلك، كما قال تعالى في موضع آخر {وَعَلَى الذين هَادُواْ حَرَّمْنَا كُلَّ ذِى ظُفُرٍ وَمِنَ البقر والغنم حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إِلاَّ مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوِ الحوايا أو ما اختلط بعظم ذلك جزيناهم ببغيهم وإنا لصادقون} [الأنعام: 146] ثم إنه تعالى بيّن ما هو كالعلة الموجبة لهذه التشديدات.واعلم أن أنواع الذنوب محصورة في نوعين: الظلم للخلق، والإعراض عن الدين الحق، أما ظلم الخلق فإليه الإشارة بقوله: {وَبِصَدّهِمْ عَن سَبِيلِ الله} ثم إنهم مع ذلك في غاية الحرص في طلب المال، فتارة يحصلونه بالربا مع أنهم نهوا عنه، وتارة بطريق الرشوة وهو المراد بقوله: {وَأَكْلِهِمْ أموال الناس بالباطل} ونظيره قوله تعالى: {سماعون للكَذِبَ أكالون لِلسُّحْتِ} [المائدة: 42] فهذه الأربعة هي الذنوب الموجبة للتشديد عليهم في الدنيا وفي الآخرة، أما التشديد في الدنيا فهو الذي تقدم ذكره من تحريم الطيبات عليهم، وأما التشديد في الآخرة فهو المراد من قوله: {وَأَعْتَدْنَا للكافرين مِنْهُمْ عَذَاباً أَلِيماً}.واعلم أنه تعالى لما وصف طريقة الكفار والجهال من اليهود وصف طريقة المؤمنين منهم.